المحبة روح الحياة ، وطعم الوجود ، ولذة الدنيا ، وغذاء الروح وبهجة القلب ، و
ضياء العين ونور الفؤاد ، حياة بلا حب حياة باهتة ، وقلب لاحب فيه قلب جامد ، الحياة جسد والحب روح ، فإذا غابت الروح فلا قيمة للجسد ، بالمحبة أقبلت قوافل المحبين ، وتسابقت أقدام العاشقين ، وتنافست فلول الهائمين ، المحبة حياة من فقدها فهو ميت ، ونور من فقده فهو في ظلام دامس ، وليل حالك ... إن المحبة نار في القلب تحرق ماسوى مراد المحبوب ، فلا يبقى إلا مراده ، ولايقوم إلا مطلوبه ، ولايمتثل إلا أمره ، إنه الشوق الدائم إلى لقاء المحبوب والحياة على أمل الفوز به ، والظفر برؤية وجهه الكريم ، ولذلك صدق المحب في حبه ، وأخلص في إرادته ، ووحد المحبوب في وجهته ليظفر منه بمحبته ، والفوز بجيرته .
يسمع المحبون منادي الحبيب ( حي على الفلاح ) فيهجرون الفرش ، ويطردون الكرى ، ويمتطون الأقدام في وهج الشمس أو لوعة البرد ، وكأنما يمشون على الحرير ، ويطرق أسماعهم ( حي على الكفاح ) فيبذلون المهج ، ويقدمون الأرواح ، ويزهقون الأنفس ، ويهريقون الدماء . ويتلى عليهم { وأنفقوا مما رزقناكم } فيتسابقون بالغالي والنفيس ، ويبذلون من أعز مايملكون ، وأفضل مايحبون ، ويعطون عطاء من لايخشى الفقر . ويرتل عليهم { ولله على الناس حج البيت } فيقبلون من كل فج عميق ، وواد سحيق ، شعثا غبرا خماص البطون ، ظمأى الأفئدة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك . ( الله أهل الثناء والمجد للشيخ ناصر الزهراني ص 331-332 ) .
فقول الحاج : لبيك اللهم لبيك معناها إجابة بعد إجابة لك يارب ، وديدن المؤمنين دائما أنهم يقولون { سمعنا وأطعنا } ... عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – جاء إلى الحجر الأسود فقبله ، فقال : إني أعلم أنك حجر ، لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. رواه البخاري.الحجر الأسود قبلته *** بشفتي قلبي وكلي وله
لا لاعتقادي أنه نافع *** بل لاقتدائي بالذي قبله
محمد أطهر أنفاسـه *** كانت على صفحته مرسله
قبله والنور من ثغره *** يشرق آيات هدى منزله .
[size=16]( إبهاج الحاج للشيخ ناصر الزهراني ص 69 بتصرف ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولا ريب أن محبة المؤمنين لربهم أعظم المحبات وكذلك محبة الله لهم هي محبة عظيمة جدا كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : ( يقول الله تعالى من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته ولا بد له منه ). ( قاعدة في المحبة لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 114 ).
فالمؤمنون هم أشد الناس حبا لله جل وعلا : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله } وذلك لطاعتهم وتعلقهم بالله جل وعلا وهو سبحانه وتعالى يحبهم { إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } أي حبا ، وسمي إبراهيم عليه السلام بالخليل في قوله تعالى { واتخذ الله إبراهيم خليلا } لأن الخلة أعلى مقامات المحبة ومعناها أن ما من ذرة في إبراهيم عليه السلام إلا وهي محبة لله تعالى مستسلم لله كمال الاستسلام والله عزوجل يتحبب إلى خلقه ولكنهم يبتعدون عنه بالمعاصي ولاحول ولاقوة إلا بالله ، يقول ابن القيم رحمه الله : من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه ، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة ، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره ، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته . الفوائد ص 61.
ويقول رحمه الله : ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوكه بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه. الفوائد ص 50.
ومحبة غير الله تعالى فيها الاندثار والانقطاع « جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، ثم قال : يا محمد شرف المؤمن قيام الليل و عزه استغناؤه عن الناس » رواه الحاكم 7921 وهو في صحيح الترغيب والترهيب 824.
والله عزوجل إذا أحب عبدا جعل أهل السماء والأرض يحبونه ووضع له القبول في الأرض قال صلى الله عليه وسلم : « إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل : إن الله تعالى يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض » متفق عليه.