ميزانية التعليم.. الواقع والمأمول
محمد عبدالحميد سعد الدين
خبير تربوي بكفر الشيخ
في بيانه أمام مجلس الشعب أعلن رئيس الوزراء ان ميزانية التعليم في الموازنة الجديدة تبلغ ثمانية وأربعين مليار جنيه!! صرخ فلاح أجير كان يتابع البيان "علي ايه دا كله.. خير الشَبّه بيبان ع الضبه" هتفت به أن يشرح.. حاولت الانشغال بأمر آخر لأن الرقم صدمني وجعل الدم يغلي في عروقي والطبيب المعالج نصحني بعدم التعرض للانفعال.. قال فلاح يعمل في الهيئة العامة للانتاج الزراعي خفيراً لحراسة مائتي فدان في أحد أجزاء مزرعة قريتنا ميت الديبة بكفر الشيخ نظير أجر شهري مقداره مائتان وثمانية جنيهات شهريا قال: يعني لما يكون الفلاح مننا عنده شابة بقر أو جاموس بناتي ويوكلها كويس يبان عليها الخير.. تبقي مربربة وشبعانة والعكس صحيح" وعلق أحد السائقين فيما نسميه نحن "المشروع الياباني" وهو مركز لزراعة وميكنة الأرز هو الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط افتتحه زعيمنا مبارك عام 1987 قال: أنا مرتبي حوالي أربعمائة جنيه ولي خمسة أولاد في المدارس مصاريف الدروس الخصوصية بتخليني ألفّ حوالين نفسي.. البنت في الابتدائي لازم تاخد دروس تقوية المادة بعشرة جنيهات يعني لوحدها خمسين والولد في ثانوية لازمه حوالي مائتين!! أروح فين ولمين.. ثم استرسل 48 مليارا يعني كام؟ قلت له والأسي يتقاطر مع كلماتي يعني 48 ألف مليون جنيه صرخ ضارباً كفاً بكف عليك العوض في فلوسنا اللي بتروح بلاش"!!
قلنا في مقالات سابقة ان التعليم يمثل مسألة أمن قومي.. وقلنا أكثر من مرة ان إصلاح حال التعليم القائم الآن يسبق خطوات التطوير المستهدفة.. الإصلاح قبل التطوير.. وقلنا انه قد انطلقت صيحة في ثمانينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية "أمة في خطر" حين تفوقت اليابان علي أمريكا في مجال التكنولوجيا.. صاح الأمريكان: لقد هزمناهم في الحرب.. لكنهم الآن هزمونا في المعمل.. حشدوا طاقاتهم.. وطوروا مناهجهم حتي عاد لهم السبق. وقلنا ان إصلاح حال التعليم لا يتأتي بمنح المعلمين الكادر بمراحله فقط بل يجب أن تكون هناك خطة لوقف الدروس الخصوصية والعودة إلي الاختيار لمجموعات التقوية ومتابعتها لأنها إجبارية لا يتابعها أحد وصارت "سبوبة" وغطاءً شرعياً لدروس خصوصية تستخدم إمكانات وأدوات المدارس وقلنا ان أبناءنا قد هجروا المدارس في الثاني والثالث الثانوي ومنذ الأسبوع الأول وعلي اتساع رقعة مصر وقلنا ان لجان الوزارة لا تؤدي عملاً بل هي الاهدار للمال العام بعينه وأن زياراتها للمدارس شكلية ورقية لا تسأل طالباً ولا تشرح درساً ولا تنقل خبرة وقلنا ان زيارات الجمل للمحافظات شكلية ومعلومة سلفاً وتقدم له إحصائيات مكذوبة عن نسبة الحضور وانه يري متعة في مشاهدة المهرجانات الرياضية والنشاط المسرحي يشنف آذانه لسماع العزف المنفرد كما حدث في زيارته الأخيرة لكفر الشيخ وقلنا ان الدكتور حسين كامل بهاء الدين كانت لديه خطة ورؤية وخطوات لتطوير التعليم ولم نمهله الوقت لتحقيقها وانه كان يجوب مصر من أقصاها إلي أقصاها في زيارات ميدانية غير معلنة واننا كمدراء مدارس أيامها كنا نتوقع أن نراه معنا في طابور الصباح يسأل ويتابع ويعالج المرضي من أبنائنا وأن الجمل ومساعديه يصنعون أذناً من طين وأخري من عجين لكل النداءات المخلصة التي تقول: التعليم في مصر في تدهور.. هناك سوء توزيع للمعلمين وهناك فوضي في المدارس والمعلمون في حاجة إلي من يشركهم في القرار وفي حاجة إلي نقابة لا تغط في سبات وفي حاجة إلي انتخابات لها لأنها مجمدة.. في حاجة إلي ميثاق يشد علي يد المخلصين والمبدعين ويفتح أمامهم باب الترقي غير المرتبط بالأقدمية.. في حاجة إلي توفير مناخ يساعد علي الابداع وانهم في حاجة إلي تشريع يجرم الدروس الخصوصية بعد ذلك فقد أعطتهم الدولة ما يكفيهم في حاجة إلي تدريب حقيقي كل حين للأخذ بأيديهم نحو الابداع والوقوف علي آخر ما في العصر من تقنيات تخدم التعليم وفي حاجة إلي تخفيض الكثافة في الفصول.
التعليم يحتاج إلي مجلس قومي يضع الخطط ويوفر آليات التنفيذ والمتابعة فالأمر جد خطير.. ومصر التي علمت الإنسانية كل العلوم والفنون تستحق منا جميعاً كل العطاء فهي الآن تحت قيادة زعيم متفرد يقود سفينتها بحكمة واقتدار وسط أنواء ومخاطر تحدق بها في عالم يقوده العلم ويتحكم في مصيره فهل من مجيب؟! اللهم فاشهد وإليك المشتكي